والمتأمل في نصوص الكتاب والسنة الخاصة بالحج إذا جمع معها ما يلمسه في الواقع المشاهد خلال أداء فريضة الحج تتجلى له الأهداف التالية:
1- الحج امتثال لأوامر الله واستجابة لندائه:
الحج امتثال لأوامر الله واستجابة لتعاليمه تتجلى فيه الطاعة الخالصة والإسلام الحق وصدق الله العظيم: وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ
2- الحج فيه تأسٍ بأبينا إبراهيم عليه السلام:
لقد أمر الله أبانا إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج وكتب الله لمن شاء من عباده أن يلبوا هذا النداء رجالاً أو ركباناً، ففي الحج اقتداء بالصالحين وتأسي بمن أمرنا الله أن نتأسى بهم ونجعلهم قدوة حسنة لنا، يقول تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْرٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ ، إلى قوله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلأَخِرَ.. .
3- الحج فيه ارتباط بمهبط الوحي:
الحج رحلة إلى الديار المقدسة مهبط الوحي ومتنزل التشريع، وكلما ارتبط المسلم بهذه البقاع الطاهرة كلما كان أقرب إلى الاقتداء بالرعيل الأول، الذين جاهدوا في سبيل الله وبلغوا شرعه إلى أنحاء المعمورة، وشتان بين مسلم يرتبط قلبه بمهابط الوحي ومنازل التشريع ومسلم يتعلق قلبه هنا أو هناك خلف عرض زائل أو قزم يتطاول، فكما أن الفرق شاسع بين الوسيلتين فكذلك في النتيجة.
4- في الحج إعلان عملي لمبدأ المساواة بين الناس:
تتجلى المساواة بأسمى صورها الواقعية في الحج، وذلك في صعيد عرفات حينما يقف الناس موقفاً واحداً لا تفاضل بينهم في أي عرض من أعراض الدنيا الزائلة بل التفاضل والفوز والفلاح بالتقى، يقول الحق تبارك وتعالى مؤكداً هذا المنهج السامي في الإسلام إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ ، ويقول تعالى: سَوَاء ٱلْعَـٰكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ
5- في الحج تذكرة بيوم لقاء الله:
الحج يذكر المسلم بيوم لقاء الله وذلك إذا تجرد الحاج من ثيابه ولبى محرماً ووقف بصعيد عرفات، ورأى كثرة الناس ولباسهم واحد ويشبه الأكفان، فهنا تجول بالخاطر مواقف سيتعرض لها المسلم بعد وفاته فيدعوه ذلك للاستعداد لها وأخذ الزاد قبل لقاء الله.
6- في الحج توثيق لمبدأ التعارف والتعاون:
يقول الحق تبارك وتعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ [المائدة:2]، ويتجلى تحقيق هذا المبدأ السامي في الحج حيث تتوثق الصلات ويقوى التعارف ويتم التشاور ويحصل تبادل الآراء، والتجارب والخبرات للسعي قدماً في النهوض بالأمة ورسم الطريق الأمثل لها لتتبوأ مكانتها القيادية على مر العصور والأجيال.
7- في الحج جمع للناس على مبدأ التوحيد:
في الحج تتجلى صورة التوحيد لدى المسلمين، فهم أولاء يتوافدون على الديار المقدسة ويجتمعون في أماكن محددة ويناجون رباً واحداً ملبين للنداء مذعنين للأمر منضوين تحت اللواء، يرفعون كلمة التوحيد ويعتصمون بالحبل المتين وصدق الله العظيم: إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ
8- الحج مؤتمر سنوي للمسلمين:
وأخيراً فالحج مؤتمر سنوي عام للمسلمين يتدارسون فيه شئونهم وتجتمع فيه كلمتهم ويحنو فيه غنيهم على فقيرهم وتظهر فيه الوحدة الكبرى للمسلمين.
والذي أدى فريضة الحج في السنوات الأخيرة يلمس هذه الأهداف ماثلة للعيان فكم من أموال بذلت في سبيل الله وكم من تجارب تمت الاستفادة منها وكم من لقاءات جانبية تداول فيها المجتمعون ما يهم المسلمين في حاضرهم ومستقبلهم، وإذا كان هذا تحقق فعلاً بفضل من الله فإننا نأمل المزيد وندعو المسلمين لاستثمار هذا المؤتمر السنوي ليحصل الخير الوفير لأمة الإسلام في جميع ديار المسلمين.
فرض الله سبحانه وتعالى العبادات على عباده امتحاناً لطاعتهم وإظهاراً لعبوديتهم وشكرهم وتحقيقاً لمصالحهم في الدنيا والآخرة وقد أشار سبحانه وتعالى في محكم كتابه إلى طرف من هذه المصالح والمنافع، فعند ذكر الحج مثلاً أشار إلى منافعه العظيمة التي يشهدها الحجاج يقول تعالى: لّيَشْهَدُواْ مَنَـٰفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَـٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ٱلاْنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَائِسَ ٱلْفَقِيرَ
قال ابن عباس في تفسير هذه الآية: (منافع الدنيا والآخرة، أما منافع الآخرة فرضوان الله تعالى، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن والذبائح والتجارات