الحج أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام ودعائمه الخمس، وفرض من فروضه دل عليه الكتاب والسنة والإجماع والمعقول، وهو فرض عين على المكلف المستطيع مرة واحدة في العمر، ومن أنكر ذلك فقد كفر إلا إذا كان حديث عهد بالإسلام أو نشأ في بادية بعيدة عن العلم وأهله.
الأدلة من الكتاب:
1- قال تعالى: إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ .
2- وقال تعالى: وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ
3- وقال تعالى: وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَـٰعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ .
4- وقال تعالى: وَأَذّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ لّيَشْهَدُواْ مَنَـٰفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَـٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ٱلاْنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَائِسَ ٱلْفَقِيرَ
فهذه الآيات صريحة في إيجاب الحج حيث قال تعالى: وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ وكلمة عَلَى إيجاب، وقال تعالى: وَمَن كَفَرَ أي ومن كفر بوجوب الحج، وقال تعالى: وَأَذّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجّ أي ادعهم ونادهم إلى حج البيت وقيل أعلمهم أن الله فرض عليهم الحج بدليل قوله تعالى: يَأْتُوكَ .
قال ابن العربي بعد سياقه للآية: " وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ قال علماؤنا: هذا من أوكد ألفاظ الوجوب عند العرب إذ قال العربي لفلان: عليّ كذا، فقد وكده وأوجبه، قال علماؤنا: فذكر الله الحج بأبلغ ألفاظ الوجوب تأكيداً لحقه وتعظيماً لحرمته وتقوية لفرضه ...".
الأدلة من السنة:
1- ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إلى ذلك سبيلا)).
2- ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا))، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو قلت: نعم، لوجبت ولما استطعتم))، ثم قال: ((ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)) مسلم.
فهذه النصوص من السنة تدل دلالة قاطعة على وجوب الحج مرة واحدة في العمر، وأنه ركن من أركان الإسلام ومبانيه العظام التي لا يتم إسلام امرئ إلا به متى تحققت فيه شروط الوجوب وانتفت عنه موانع الأداء، فحري بالمسلم أن يبادر لإبراء ذمته وأداء ما عليه قبل أن تقول نفس: يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله، وقبل أن يندم، ولات ساعة مندم.
ولقد أفاض القرآن والسنة في فضل الحج ووردت فيه النصوص الكثيرة التي ذكرنا طرفاً منها فيما سبق ونذكر هنا ما لم نذكره هناك مما يختص في فضل الحج فنقول:
1- الحج يهدم ما قبله:
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (.. فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إبسط يمينك لأبايعك فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: مالك يا عمرو؟ قال: قلت أردت أن أشترط، قال: تشترط بماذا؟ قلت: أن يغفر لي، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله ...).
2- الحاج يعود بعد حجه كيوم ولدته أمه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)).
3- الحج أفضل الأعمال بعد الإيمان والجهاد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: ((إيمان بالله ورسوله))، قيل: ثم ماذا؟ قال: ((ثم جهاد في سبيل الله))، قيل: ثم ماذا؟ قال: ((ثم حج مبرور)) البخاري.
4- الحج أفضل الجهاد:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد؟ قال: ((لا لكن أفضل الجهاد حج مبرور)) البخاري.
5- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)).
ومن فضائل الحج أن الحجاج والعمار وفد الله إن سألوه أعطاهم، وإن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم، ونفقتهم في سبيل الله، وهي مخلوفة عليهم، وهم معانون في أداء النسك.
وأخيراً فإن الله يباهي بالحجاج ملائكته في صعيد عرفات ويتجلى لهم ويقول: انصرفوا مغفوراً لكم، إنه لفضل عظيم ونعمة كبرى أن ينصرف الحاج من هذا الموقف العظيم مغفوراً له وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء اللهم إنا نسألك من فضلك.
الحج هجرة إلى الله تعالى، استجابة لدعوته، وموسم دوري يلتقي فيه المسلمون كل عام على أصفى العلاقات وأتقاها، ليشهدوا منافع لهم على أكرم بقعة شرفها الله.
وعبادات الإسلام وشعائره تهدف كلها إلى خير المسلمين في الدنيا والآخرة، ومن هنا كان الحج عبادة يتقرب بها المسلمون إلى خالقهم، فتصفو نفوسهم ويلتقون على المودة يربط بينهم الإيمان رغم تباعد الأقطار واختلاف الديار.