الصحبة الطاهرة على خطى الحبيب
مرحبا بالجمع الطاهر فى منتداكم الصحبة الطاهرة على خطى الحبيب
الصحبة الطاهرة على خطى الحبيب
مرحبا بالجمع الطاهر فى منتداكم الصحبة الطاهرة على خطى الحبيب
الصحبة الطاهرة على خطى الحبيب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الصحبة الطاهرة على خطى الحبيب

منتدى اسلامى لنشر صحيح الدين على مذهب اهل السنة والجماعة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 الجانب العاطفى فى الحج

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 121
مرحبا بكم فى منتداكم الصحبة الطاهرة على خطى الحبيب : 0
تاريخ التسجيل : 03/09/2013

الجانب العاطفى فى الحج Empty
مُساهمةموضوع: الجانب العاطفى فى الحج   الجانب العاطفى فى الحج Icon_minitime1الثلاثاء أكتوبر 01, 2013 2:21 pm


الجانب العاطفي في الحج


قال الله- تعالى- في القرآن الكريم: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" [سورة الذاريات: 56] ونعرف من هذا أن عاطفة عبادة الله قد أودعت في النفس الإنسانية بصورة جبلية.. فليس على الإنسان أن يعبد الله مراعاة للواقع فقط؛ بل فطرته هي الأخرى تطالبه بذلك؛ لأن عبادة الله هي من صميم الطبيعة البشرية، هذا هو السبب في أنه لا يوجد شيء يبعث في الإنسان الطمأنينة والسكينة الحقيقية مثل عبادة الله: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" [سورة الرعد: 28].

فكما أن الطفل الصغير يلجأ إلى أمه بصورة جِبِليَّة؛ فكذلك تقتضي جِبِلَّة الإنسان أن يلجأ إلى ربه، وليس بمقدور الإنسان أن يغير من شخصيته الداخلية، وكذلك ليس بمقدوره كذلك أن يطرد فكرة الله من قلبه ومخه.

شهادة علم الإنسان المعاصر

وقد أثبت علم الإنسان المعاصر هذه الحقيقة بصورة علمية… وقد درس خبراء علم الاجتماع الحديث المجتمع البشري بعمق، ومن أهم الحقائق التي ظهرت عقب دراسة المجتمعات البشرية من العصور الغابرة إلى اليوم أن الإنسان ظل مؤمنًا بالله بالرغم من كل التطورات والتغيرات التي مر بها؛ فالإيمان بالله والدين جزء لا يتجزأ من الفطرة البشرية.. وننقل فيما يلي فقرة من دائرة المعارف الأمريكية [دارة المعارف الأمريكية ط. 1961، جـ 23، ص354]

بحوث علم الإنسان المعاصرة

"كان الإنسان مؤمنًا بالدين بدرجات متفاوتة منذ بداية التاريخ البشري، فكان دائمًا يؤمن بإله أو بعدة آلهة طالبًا الحماية، وكانت هذه الآلهة مصنوعة في بعض الأحايين من خشب أو حجر، كما أنها اتخذت في أحايين أخرى أشكال حيوانات أو زواحف أو حيوانات مخيفة تسعى إلى مصّ دماء الذين يعبدونها، ولكن أيًّا كانت هذه الآلهة فقد عبدها الإنسان؛ لأن الدين – المتمثل في عبادة قوة خارقة للطبيعة – جزء لا يتجزأ من نسيج الطبيعة البشرية".

والحقيقة أن الشعور بالله كامن بصورة جِبِليَّة في الفطرة الإنسانية، ولكنه شعور إجمالي.

وعندما لا يهتدي الإنسان إلى الإله الحقيقي؛ فهو يتجه إلى عبادة الآلهة التي تصنعها أوهامه. وستجد الفطرة البشرية سكينة لهذه العاطفة الفياضة في عبادة الله وحده الذي لا شريك له لو تيسر لها الاهتداء إلى رسالة نبي من أنبياء الله، أما لو لم تظفر بالهداية النبوية؛ فستعبد آلهة باطلين لتسكين هذه العاطفة بصورة اصطناعية.

والمقصود الأصلي للإنسان واحد لا غير، وهو خالقه ومالكه. وهذا المقصود الأصلي جزء عميق من فطرة الإنسان.. ولو أنصت الإنسان إلى طبيعته؛ فإنه سيهتدي إلى الله، وهو سيشعر به في نبضات قلبه.. فهذه الفطرة "لا شعور" الإنسان، والرسول ينقل الإنسان من هذا اللاشعور إلى مستوى "الشعور".

ولكن الإنسان مخلوق من نوع معين؛ فلا تكفيه المعرفة الغيبية؛ بل هو يريد أن يكتشف الله بصورة حسيَّة أيضًا؛ فيدرك الله إدراكًا محسوسًا. ولكن العائق هنا هو أنه لا يمكن للإنسان أن يدرك الله إدراكًا محسوسًا حقيقيًّا قبل الآخرة.

ولا شك في أن الإنسان سيشاهد ربه في الآخرة، فقد جاء في القرآن: "وجوه يومئذ ناضرة* إلى ربها ناظرة" [سورة القيامة: 22،23].. وقد ورد في الحديث هذا المعنى بالتواتر، وجاء في إحدى روايات صحيح البخاري: "إنكم سترون ربكم عيانًا". وفي الصحيحين عن جرير قال: "نظر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى القمر ليلة البدر فقال: إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر".

شعائر الله

إنه من الحقائق الدينية أن الإنسان سيشاهد ربه مشاهدة حقيقية في الآخرة إلا أن الإنسان – وهو يؤمن بمشاهدة الله في الآخرة وحدها – يتوق إلى أن يجد ربه، وأن يقترب منه اليوم قبل الغد.. وهذه هي الفطرة البشرية. والسؤال هو: كيف يمكن تلبية هذه الرغبة البشرية في هذه الدنيا؟!

وقد هيأ الله- تعالى- إجابة على هذا السؤال في سورة "شعائر الله" (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرًا فإن الله شاكر عليم) [سورة البقرة: 158] لقد جعل الله بعض الأشياء – لأهميتها التاريخية – "شعيرة" أي علامة عليه. وقد وفر الله- تعالى- حول هذه العلامات حالة معينة بحيث تعتبر مشاهدتها هي مشاهدة الحقائق العليا؛ لكي يجد الإنسان بصورة غير مباشرة الحقيقة العليا التي لا يمكنه أن يجدها بصورة مباشرة في هذا العالم. فالإنسان لا يستطيع أن يجد الله في هذه الدنيا، إلا أنه يستطيع أن يشاهد شعائر الله، وليس بإمكان الإنسان أن يجد الله في هذه الدنيا؛ فيلمسه أو يشعر بقربه إلا أنه يستطيع أن يلمس شعائر الله؛ فيحصل على التجربة الحسية للقربة الإلهية.

والشعيرة "وجمعها شعائر" تعني علامة أو تذكارًا، فهي ليست أصلاً" في ذاتها؛ بل هي تذكِّرنا بالأصل بناء على علاقة ما، ومن أمثلته جبلا الصفا والمروة اللذان قال عنهما القرآن: "إن الصفا والمروة من شعائر الله".

والصفا والمروة جبلان بمكة بالقرب من بيت الله. والمسافة التي تفصل بينهما نحو 500 قدم. ولم يكن بهذه المنطقة سكان أو مياه حين أسكن إبراهيم- عليه السلام- زوجه هاجر وابنه الرضيع إسماعيل. وحين انتهى ما كان لدى السيدة هاجر من ماء، سعت سبع مرات بين هذين الجبلين بحثا عن الماء، واليوم يسعى الحجاج سبع مرات بين هذين الجبلين تخليدًا لذلك السعي.

وقد أحب الله- تعالى- هذه الواقعة؛ فجعل الصفا والمروة شعيرتين لله؛ أي أنهما تذكاران أصيلان للعبودية لله.. فنتذكر تاريخًا كاملاً برؤية الصفا والمروة، حين هجر عبد من عباد الله وطنه الخصيب (العراق)، وأسكن زوجه وابنه في منطقة جدباء ابتغاء مرضاة الله وحده. وهذا مثال كامل للاعتماد على الله والثقة به.

وهكذا الكعبة، والحجر الأسود، ومقامات الحج الأخرى، هي كلها من شعائر الله وهي علامات على حياة العبودية الخالصة التي عاشها الموحد الكامل إبراهيم- عليه السلام-؛ فنتذكر حياة إبراهيم التوحيدية برؤية هذه الشعائر. وتتجسد للناظر إليها عظمة الله وجلاله، ويشعر الإنسان وهو في بيئة هذه الشعائر كأنه في بيئة الله.

ومن آثار لمس الحجر الأسود استيقاظ العواطف الروحية في نفس الإنسان لتسكن هذه العاطفة الجياشة في الصدور، وليظفر الإنسان بسكينة هذه العواطف بلمس الحجر الأسود.. وهكذا يتوق الإنسان إلى أن يطوف حوله؛ ليسكن هذه العاطفة بالطواف حول بيت الله المقدس.

ويريد الإنسان أن يسعى ويجري في سبيل ربه وهو يحصل على سكينة لهذه العواطف حين يسعى بين الصفا والمروة. وهكذا تسكن كل مراسم الحج بصورة أو أخرى العواطف الكامنة في النفس البشرية، وهي وسيلته لإقامة علاقة حسية مع ربه في هذا العالم.

وعاطفة العبودية لله وحده كامنة في فطرة الإنسان.. وما الشرك وعبادة الأصنام إلا إساءة لهذه العاطفة الفطرية. أما عقيدة التوحيد فتوجه هذه العاطفة الفطرية وجهة صحيحة. وهكذا مراسم الحج.. فالحج من إحدى النواحي إصلاح لخطأ بشري، وهو يمنع الإنسان من السير في الاتجاه الخاطئ، ويوجهه الاتجاه الصحيح. فالحج شكل صحيح لتسكين عاطفة بشرية يبحث الإنسان عن سكينتها بأساليب باطلة.

ويريد الإنسان المنحرف الضال أن "يشاهد" ربه في الدنيا، وأن "يجده" بصورة حسية؛ لكي يؤدي أمامه مراسم العبودية.. ولكي يسكن الإنسان هذه العاطفة نحت صورًا مرئية أو أصنامًا وتماثيل وأخذ يعبدها ظنًّا منه أنها على صورة الله.. ولكن هذا السلوك "إلحاد" أي انحراف في تعبير القرآن. وشعائر الله إجابة أصح وأفضل للبحث البشري الضال لتسكين عاطفة فطرية في صورة الأصنام.

وأن تصنع صنمًا لله ليس كأن تصنع تمثالاً لأحد البشر.. فالذي يصنع تمثالاً لشخص ما يكون قد رأى ذلك الشخص أو اطلع على صورة له على الأقل. ولكن لا يمكن لأي صانع تماثيل أو أصنام أن يدعي أنه قد شاهد الله. والذي يصنع صنمًا لله فهو يحدد ويحجم ذلك الوجود الذي لا حدود له، وهو يضع وجودًا أعلى وأعظم في قالب أشياء أدنى.

وكل عمل من هذا النوع مخالف للواقع، وهو مرادف للخروج والتمرد على الخالق. والحج في ناحية من النواحي إصلاح لهذه العقلية البشرية. ورسالة الحج هي: لا تحاولوا أن تهبطوا بإله إلى مستوى التماثيل؛ بل انظروا إليه على مستوى شعائره فليس بوسعكم أن تجدوه في هذه الدنيا على مستوى ذاته الإلهية، ولكن يمكنكم أن تجدوه على مستوى آثار تلك الذات العليا، وهي "الشعائر" التي قامت نتيجة أعمال عباد الله العظام، وهي الاعتبار، والتأسي بتلك اللمحات التاريخية التي قام خلالها اتصال بين الله ورسوله الصالح إبراهيم.

وشعائر الله هي آثار أولئك العظام الذين اختاروا العبودية لله بصورتها العليا المعيارية. وآثارهم هي التي تُوصَف بشعائر الله، وتُؤدَّى جميع مناسك الحج عند هذه الشعائر.

والبعد عنها بعد عن الله. والعلاقة بها علاقة بالله.

ومن أهم جوانب الحج أنه لقاء العبد بالحقيقة العليا. وتغشى العبد كيفيات ربانية من نوع خاص؛ فيشعر بأنه قد خرج من "دنياه" إلى "دنيا الله" وأنه يلمس ربه ويطوف حوله ويسعى نحوه ويسير هنا وهناك من أجله ويقدم الهدي لمرضاته، ويرمي أعداءه بالجمرات، ويسأله كلما أراد أن يسأله، ويجد منه كل ما رغب فيه.

وميدان عرفات منظر عجيب.. فترى عباد الله يأتون فوجًا بعد فوج من كل النواحي، وعلى جسد كل واحد منهم لباس بسيط من نوع واحد، وقد فقد الكل صفته المميزة، وعلى لسان الكل شعار واحد "لبيك اللهم لبيك، لبيك اللهم لبيك".

وإنه حين ترى هذا المنظر تتذكر الآية القرآنية: "ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون" [سورة يس: 51]. والحقيقة أن اجتماع عرفات خبر مقدم لاجتماع يوم الحشر، بحيث ترى في هذه الدنيا صورة من صورة الآخرة. وقد جاء في الحديث: "الحج عرفة"… ويخبرنا هذا الحديث بأهم أهداف الحج وهو أن يتذكر العبد مثوله أمام الله في ميدان الحشر، وأن يجري على نفسه رمزيًّا وذهنيًّا ما سيجري عليه غدًا فعلاً وحقيقة.

والكعبة هي بيت الله الواحد الأحد، وقد بناها نبيان جليلان هما: إبراهيم، وإسماعيل -عليهما السلام-، وذكريات حياتهما العليا، ووقائع تضحياتهما المدهشة مرتبطة بهذا البيت، وعبير حياة رسول آخر الزمان، وأنشطته الربانية يعطر أجواءه.

والمسلم يقرأ عن وقائع هذا التاريخ المثالي للعبودية والتضحية من أجله في الكتب، هو يسمع منذ صباه – وحتى خروجه للحج – وقائع هذا التاريخ لدرجة أنها تصبح جزءًا لا يتجزأ من ذاكرته. وتحيا كل هذه الذكريات فجأة حين يصل الإنسان بعد وعثاء السفر ويقف وجهًا لوجه أمام الكعبة.. فهو يجد نفسه واقفًا أمام تاريخ كامل: تاريخ خشية الله، وحبه، والتضحية من أجله، واختياره معبودًا بدون شريك، والاعتراف به قادرًا مطلقًا، ومحو النفس من أجله ولمرضاته..

إنك تجد تاريخًا ربانيًّا عظيمًا كهذا مُجسَّدا في صورة الكعبة، فترى هذا التاريخ مكتوبًا على الأحجار والرمال.. ويهتز عقلك بهذه التجربة التي تذيب قلبك، وتحولك إلى إنسان جديد تمامًا.

رحلة للحج

"كنا نقيم بشارع إبراهيم الخليل القريب جدًّا من الحرم، ولذلك كنتُ أقضي معظم وقتي داخل الحرم ما عدا أوقات الأكل وفترات النوم القصيرة. وكانت وتيرتي كل يوم أن أتوضأ بماء زمزم عند باب الهجرة، ثم أشرب من مائه حتى أرتوي، ثم أدخل الحرم.. وكنتُ أذهب في معظم الأوقات إلى الجزء العلوي من الحرم؛ لأنه كان أكثر سكونًا لخلوه النسبي من الزحام. وكنتُ أصلي هناك، وأتلو القرآن، وأنظر إلى الكعبة، وأتذكر الله.. وكانت الساعات تلو الساعات تمر هكذا بدون أن أشعر بمرور الوقت. ومهما كان الوقت متأخرًا إلا أنني كنتُ أشعر – عند العودة من الحرم – أن نفسي لم ترتوِ بعد، والكيفية التي تمر على قلب الإنسان وهو جالس أمام الكعبة لا يمكن بيانها بالكلمات".
الحج مؤسسة دعوية

الحج إعادة للتاريخ الإبراهيمي...

فالحاج يقلد بصورة رمزية مختلف مراحل الخطة العالمية التي نفذت بواسطة إبراهيم-عليه السلام-، معاهدًا ربه بأنه سيسخر نفسه للرسالة الإلهية التي سخّر إبراهيم نفسه من أجلها، وأنه سيظل يقوم بالعمل الدعوي الذي قام به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خاتمًا للأنبياء.

وكان إبراهيم-عليه السلام- قد خرج من وطنه لتنفيذ خطة إلهية دعوية.. وهكذا يقول الحاج بلسان حاله إنه مستعد – هو الآخر – ليترك وطنه من أجل الدين. وكان إبراهيم عليه السلام قانعًا راضيًا بحياة بسيطة، وهكذا يعلن الحاج بواسطة الإحرام أنه سيكتفي بالحاجات الضرورية ليركِّز نظره على الهدف الأصلي. وكان إبراهيم- عليه السلام- قد أعلن ولاءه لله –تعالى- بالطواف حول البيت الحرام، وهكذا يعلن الحاج ولاءه لله- تعالى- بالطواف حول الكعبة المعظمة.

وكانت زوج إبراهيم قد سعت بين الصفا والمروة بحثًا عن الماء، وهكذا يُظهر الحاج بسعيه بين هذين الجبلين أنه مستعد للذهاب في سبيل الله إلى آخر الحدود، ولو يحدث لأهل بيته ما حدث لهاجر وإسماعيل. وقد رمى إبراهيم الشيطان بالجمرات حين حاول أن يثنيه عن عمل الله- تعالى-، وهكذا يعلن الحاج برميه الجمار بغضه للشيطان، وبأنه هو الآخر سيعامل الشيطان معاملة مماثلة لو حاول أن يغويه مثلما حاول إغواء إبراهيم. وكان إبراهيم قد استعد ليضحي بحياة ابنه ابتغاء مرضاة الله، وهكذا يعلن الحاج – بتقديم الأضحية – بأنه مستعد للذهاب إلى أقصى حدود التضحية من أجل الدين.

وكانت رسالة الدعوة التي قام بها إبراهيم- عليه السلام- تهدف إلى تذكير البشر بيوم الآخرة، وهكذا يتجمع الحجاج في أرض عرفات؛ ليذكروا يوم الحشر ويجعلوا هذه الحقيقة الكبرى جزءاً من وعيهم؛ وليخبروا الآخرين بأمرها.. وكلما نادى الله إبراهيم وجده مستعدًا لتلبية دعوته، وهكذا يقول الحاج عند أداء كل شعائر الحج: "لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والمُلك" وبهذا يعلن الحاج أنه مستعد لتلبية نداء ربه في كل آن.

والحقيقة أن بيت الله الحرام مركز الدعوة الإسلامية، وأن الحج هو المؤتمر العالمي لدعاة الإسلام. والأفعال التي نقوم بها في الحج هي كلها علامات على مراحل من حياة إبراهيم في سبيل الدعوة.. ومناسك الحج إعادة رمزية لكل الوقائع التي وقعت لإبراهيم -عليه السلام- في مختلف مراحل نشاطه من أجل الدعوة. ويقلد الحاج هذه الوقائع "شعارًا" – أي رمزًا وعلامة – في أيام الحج؛ فيعقد العزم على أنه سيعيش داعيًا كما كان إبراهيم- عليه السلام- داعيًا إلى الرسالة الإلهية.. وبعض هذه الأفعال مراحل مباشرة لحياة الدعوة، بينما يعتبر البعض الآخر من هذه الأفعال مراحل غير مباشرة.

وتخبرنا حياة إبراهيم أن مناسك الحج كانت جزءاً من حياته لأجل الدعوة، أو كانت محطات على مسيرته من أجل الله. ولكن الحج وزيارة الكعبة قد أصبحا نوعًا من نسك ديني سنوي لدى مسلمي العصر الحاضر. ولو قام في المسلمين شعور بالدعوة وروح التبليغ؛ لاكتسب الحج تلقائيًّا أهمية دعوية، ولتحول إلى مؤتمر سنوي للدعوة. ولكن حين تنعدم روح الدعوة بين المسلمين يتحول الحج إلى عمل بلا روح، مثلما هو عليه الآن في الغالب. إنهم يرمون الشيطان الحجري بالجمرات، ولكنهم لا يقومون بشيء لهزيمة الشيطان الحي. إنهم يقلدون أعمالاً رمزية، ولكن تكاد تنعدم فيهم رُوح أداء الأعمال الحقيقية.

الحج وسيلة للوحدة

إن أهم ما يميز مسلمي العصر الحاضر هو اختلافهم وانتشارهم. فما السبب في انعدام الوحدة الداخلية بينهم بينما توجد لديهم مؤسسة اجتماعية نادرة كالحج؟! وكان ينبغي أن يكون الحج – بمؤتمره السنوي العالمي – وسيلة قوية لاتحاد المسلمين تذيب كل الخلافات الأخرى. ويعود السبب في هذا إلى أن الحج قد أصبح تجمعًا تقليديًّا بدلاً من أن يكون مؤتمرًا حيًّا لحملة رسالة عظيمة.

وتتطلب الوحدة أن يُوجَد بين الناس هدف مشترك يركِّز أنظارهم وتوجهاتهم نحو الهدف الأعلى.. فتوجهات الناس تتشتت في قضايا تافهة عندما يختفي الهدف الأعلى عن الأنظار.. وهم لن يتحدوا فيما بينهم مهما عُقِدَت المؤتمرات الكبرى. والدعوة هي الهدف الأعلى للأمة المسلمة، وستتجه الأمة كلها إلى هدف أعلى لو برزت فيهم هذه العاطفة الدعوة. وعندئذٍ سيصبح مؤتمر الحج وسيلة لتحقيق الوحدة العالمية بين المسلمين، وبالتالي سيصبح الحج مركز الدعوة الإسلامية العالمية.

الحج عمل حي

وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد أدى حجة الوداع سنة 10 هـ، وألقى في التاسع من ذي الحجة خطبة تفصيلية في وادي عرفات أمام أكثر من مائة ألف من المسلمين. وتُعرَف هذه الخطبة بخطبة حجة الوداع، كما أن حجه هذا يعرف بحجة البلاغ؛ لأنه- صلى الله عليه وسلم- أبلغ أمته كل التعاليم الإسلامية الأساسية في هذه الخطبة، وأخذ منهم عهدًا بإبلاغها إلى الآخرين. وقال في آخر الخطبة: "ألا فليبلغ الشاهد الغائب، فرُب مبلغ أوعى من سامع. وأنتم تُسألون عني، ماذا أنتم قائلون؟ قالوا: "نشهد أنك قد أديت الأمانة وبلغت الرسالة ونصحت، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: "اللهم اشهد، اللهم اشهد".

وتُوفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد شهرين من هذا. وكان الإسلام قد انتشر في بلاد العرب وحدهم في حياة الرسول- صلى الله عليه وسلم-، وخرج أصحابه الكرام إلى خارج بلاد العرب، وجعلوا رسالة حياتهم تبليغ الإسلام، وسخَّروا أنفسهم بكل ما يملكونه لأجل نشر الدين الإلهي.. وكانت النتيجة أن انتشر الإسلام في جزء كبير من العالم القديم خلال خمسين سنة من وفاته- صلى الله عليه وسلم-.

والناس لا يزالون يؤدون وبدون انقطاع فريضة الحج بصورة منتظمة، ويردد الإمام كل سنة كلمات مماثلة لما قاله رسول الإسلام قبل أربعة عشر قرنًا، ولكن كلمات هؤلاء الأئمة لا تؤدي إلى نتيجة ما هذه الأيام.. فما الفرق بين الحالتين؟! إن الفرق يعود إلى أن الحج كان عملاً حيًّا في الماضي، وقد تحول اليوم إلى عمل تقليدي. والذين كان رسول الإسلام يخاطبهم في حجة الوداع كانوا قد تجمعوا هناك لكي يسمعوا ويطيعوا. أما جموع الحجاج التي تتوجه إلى مكة والمدينة هذه الأيام فلا يهمها إلا أن تؤدي بعض الطقوس لتعود مرة أخرى إلى بلدانها؛ فتعيش كما كانت تعيش من قبل.

ومن هنا ندرك أن إحياء الحج كفاعل مؤثر في الحياة الإسلامية اليوم يقتضي إحياء الحجاج. وما لم نُحِي شعور الحجاج، وبكلمة أخرى شعور المسلمين، فستظل عبادة الحج بدون أثر تمامًا كبندقية فاسدة لا تطلق النار عندما يُضغط على زنادها.

تنظيم جديد للحج

وإحياء الحج بروحه الأصلية يقتضي إحياءه كمؤسسة للدعوة؛ فينبغي تسخير الحج كمركز للتخطيط العالمي للدعوة الإسلامية. وينبغي أن يعرض الناس من مختلف البلاد أحوال الدعوة في بلدانهم في هذه المناسبة العالمية، فينبغي أن يطلع الناس على تجارب المناطق الأخرى ويستفيدوا بها. ويجب على خطب الحج أن تركز على بيان أهمية الدعوة وتشرح إمكاناتها الجديدة، وأن تُعدَّ مؤسسة الحج مكتبة دعوية بمختلف اللغات؛ ليتم نشرها على المستوى العالمي…إلخ.

وينبغي أن ندرك أن توجيه الحج على هذه الخطوط الجديدة لن يتم بدون توجيه حياة المسلمين على خطوط جديدة، فمسئولية المسلمين الأساسية هي الشهادة على الناس، وعلاقاتهم مع الشعوب الأخرى هي علاقة الداعي والمدعو، ولكن هذه الحقيقة قد غابت عن مسلمي العصر الحاضر. ويجب إحياء المسلمين كجماعة داعية؛ لكي يتم إحياء الحج كمؤسسة للدعوة، ويجب إقناع المسلمين بأن يُنهوا أنشطتهم القومية في كل أنحاء العالم التي تحول دون قيام جو الداعي والمدعو بينهم وبين الشعوب الأخرى. ولو لم يتوفر مثل هذا الجو بينك وبين الشعوب الأخرى، فمن ستدعو ومن سينصت إلى دعوتك؟

ثم يقتضي هذا الهدف أن نقيم جامعات من الطراز الأعلى وتكون مناهجها وأنظمتها موجهة للدعوة بصورة كلية، وأن تقام مؤسسات تربي الدعاة تربية دعوية صحيحة، وأن تنشأ مكتبة تخلق بين الناس العقلية الدعوية وتسلحهم بمعلومات الدعوة. بل ويقتضي هذا الهدف أن ننشئ من جديد المكتبة الإسلامية الأساسية؛ لأن كتب التفسير والسيرة التي ألفت في العصر الحاضر قد كتبت بدافع رد الفعل على وجه العموم.. فقد ظهرت هذه الكتب ردًّا على حملات الشعوب الأخرى الفكرية والعملية. ولم تظهر لأجل الدعوة إلى الإسلام بصورة إيجابية.

ولو عدتَ بمخيلتك إلى الوراء، إلى بدء العصر المكي؛ فسترى رسول الإسلام يطوف حول الكعبة وحيدًا. فكان للإسلام تابع واحد في العالم كله.. أما اليوم فستشاهد جموعًا غفيرة كل يوم تطوف حول الكعبة، ثم ترى الجموع تتقاطر إلى مكة من كل أنحاء العالم في أيام الحج؛ لدرجة أن المسجد الحرام يضيق بهم كل سنة على توسعته المستمرة. فكيف تحققت هذه الكثرة؟! والرد هو أن هذا تحقق بالدعوة.

فالحقيقة هي أن مؤتمر الحج العالمي مظاهرة سنوية لقوة الدعوة الإسلامية، وهو يخبرنا بأن الله- تعالى- قد أودع أسرار كل الرقي والعظمة في قوة الدعوة الإسلامية.. فنجاة أهل الإسلام دنيويًّا وأخرويًّا رهن بقيامهم بهذا الواجب. ونعرف من دروس التاريخ أن قوة الإسلام كانت دائمًا في دعوته. صحيح أن الإسلام لم يتمكن في بدايته من التأثير في عوام الناس بمكة إلا أن كل الأفراد ذوي القيمة، الذين أصبحوا فيما بعد أعمدة التاريخ الإسلامي هم أولئك الذين وجدهم الإسلام في بداية العصر المكي. وهذا يعود إلى الدعوة الإسلامية وحدها؛ لأن الإسلام لم يكن يمتلك قوة ما غيرها حينذاك. ورجال مكة الذين أسلموا فيما بعد هم أيضًا تأثروا بأحقية الإسلام الفكرية مثل: عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وغيرهما.

واستحكم أمر الإسلام في المرحلة الثانية، أي في العصر المدني بواسطة الدعوة نفسها، فلم يغزها الرسول ولم يفتحها عسكريًّا. بل آمن البعض من أهل المدينة بالإسلام ورجعوا دعاة إلى الإسلام؛ فبدءوا يدعون الناس بأسلوب بسيط، بالإضافة إلى جهود الداعية مصعب بن عمير، ونتج عن هذا دخول الناس أفواجًا إلى الإسلام إلى أن أصبحت المدينة المركز الفكري والعملي للإسلام.

والحج وبيت الله علامتان على خطة دعوية عظيمة، فعندما لم يسمع صوت إبراهيم- عليه السلام- في مناطق العراق والشام ومصر "المتحضرة"، أسكن أسرته – بأمر الله – بمكة وبنى بها الكعبة لتكون مركزًا دائمًا للهداية الإلهية ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركًا وهدى للعالمين) (سورة آل عمران: 96).

ويروي عمرو بن عوف- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الدين ليأزر إلى الحجاز كما تأزر الحية إلى جحرها وليعقلن الدين من الحجاز معقل الأروية من رأس الجبل. إن الدين بدأ غريبًا ويرجع غريبًا، فطوبى للغرباء، الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي) [أخرجه الترمذي: أبواب الإيمان، باب بدأ الإسلام غريبًا].

وهذا يعني أنه كما كان الحجاز مركز الدعوة الإسلامية في حياة الرسول- صلى الله عليه وسلم- فكذلك سيصبح الحجاز مركز إحياء الدين الإلهي، حين يختفي أثره من حياة الناس. فالحج مقام العبادة الإلهية كما هو مركز الدعوة إلى دين الله وتجديده. وتقتضي الحاجة أن نحيي الحج ومركز الحج مرة أخرى من هذه الناحية.

وقد فتحت الثورة العلمية كثيرًا من الإمكانات الجديدة. ويمكن نتيجة لهذه الإمكانات أن نستخدم مؤتمر الحج العالمي لأجل التخطيط للدعوة على مستوى أعظم من أي وقت مضى؛ فنجعل منهج الفكر الإسلامي هو المنهج الفكري الغالب على العالم مرة أخرى تمامًا كما كان في العصور الماضية.. هذا هو المعنى الذي يعبِّر عنه القرآن الكريم بكلمات "إظهار الدين" و "إعلاء كلمة الله"، ولا يتحقق هذا الهدف إلا بإحياء أهمية الحج الدعوية مرة أخرى.

شرط ضروري

هناك شرط ضروري لتحويل مؤسسة الحج إلى مؤسسة عالمية للدعوة، وهو إبقاء فريضة الحج بعيدة عن السياسة بصورة كلية.

وقد أديتُ فريضة الحج في سبتمبر سنة 1982.. ورأيتُ ذات يوم، وأنا في بيت الله الحرام، أن أناسًا من بلد معين دخلوا المسجد الحرام بدءوا يرفعون شعارات بحياة زعيم بلدهم. فتجمع حولهم كثير من الحجاج وبدأت بينهم مناقشات خلافية.. واستمرت هذه المناقشات فترة طويلة.. وجو بيت الله هو جو الذكر والعبادة ولكن هذه الجهالة حولته إلى جو النزاع السياسي!!

وحدثت هذه القصة في المدينة أيضًا.. وكنتُ أقيم بأحد الفنادق في المدينة، وهنا جاء بعض الشبان إلى غرفتي وكانت لديهم كتيبات مطبوعة بالإنجليزية والعربية.. وكانت هذه الكتيبات تحتوي على هجوم على حاكم بلد إسلامي معين، وقدم هؤلاء الشبان هذه الكتيبات إليَّ فقلتُ لهم: إنكم تضيعون وقتكم الثمين، وتسيئون استخدام أيام الحج أيضًا.. واستمر هؤلاء الشبان يتجادلون معي بعض الوقت إلى أن انصرفوا غاضبين.

وقد أصبح هذا الاتجاه خطيرًا في الزمن الحاضر، فتنظر بعض المنظمات والحكومات إلى الحج من زاوية أنه تجمع عدد كبير من المسلمين في وقت واحد ومكان واحد، ولذلك تريد هذه المنظمات والحكومات أن تستخدمه لأهدافها السياسية المحدودة.. ولكن هذا الأسلوب خاطئ تمامًا، وهو يعارض أهداف الحج بصورة كلية. فينبغي أن ننظر إلى المسلمين، الذين يتجمعون للحج، من زاوية أنهم جاءوا لأداء هذه الفريضة وحدها. والطريق الصحيح للاستفادة من هذا الاجتماع العالمي هو أن نبعث في الناس رُوح الدعوة لكي يعودوا إلى بلدانهم دعاة إلى دين الله بدلاً من أن ينشروا هناك دعايات سلبية ضد بعض المسلمين.

إن الحج قوة عظيمة ويمكن استخدامها لأجل الدعوة الإسلامية العالمية بطريقة مؤثرة للغاية، ولكن بشرط ألاَّ يكون مسرحًا للخلافات بين المسلمين.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://tahra.forumegypt.net
 
الجانب العاطفى فى الحج
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الحج صانع التاريخ
» دروس من الحج
» فضل الحج وآثاره
» الحج كيفيته وشروطه
» اهداف الحج والعمرة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الصحبة الطاهرة على خطى الحبيب :: دروس المناسبلت الدينية-
انتقل الى: