لا كمال للإيمان إلا بالتراحم والمؤاخاة
أيها الفضلاء إن هذه المنطقة لا تكتمل, ولا يكمل إيمان أهلها, حتى تقضي على العصبية الجاهلية, والتحزب القبلي, ليبقى حبهم في الله, وإخاؤهم لله وفي الله حتى يصلون إلى رضوان الله، نحن كلنا لآدم، جمعنا كتاب وسنة, وإمامنا محمد عليه الصلاة والسلام وآخى بيننا الله عز وجل في ظل ولاة أمر يريدون الله إن شاء الله, ونسأل الله لهم الهداية.
إن الذي يأتي ليفاضل بين القبائل, وليحزب للفتن, وليجهز المحن, إنما هو عدو لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام, إن من يأتي ليفاضل بين الناس بسبب أسرهم, أو بسبب قبائلهم, أو ألوانهم إنما هو رجل متعد على حدود الله منتهك لحرمات الله.
إن يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد
أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد
يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: {المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ولا يحقره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم, كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه رأى الكعبة فقال: {ما أعظمكِ! وما أشد حرمتكِ! وما أعظمكِ عند الله! والذي نفسي بيده للمؤمن أشد حرمة منكِ} .
أيها المسلمون الفضلاء يقول عليه الصلاة والسلام: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه} وهذا معنى: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] كيف تحب لأخيك ما تحب لنفسك؟ قال أهل العلم: "أن تحب له من الخير مثلما تحب لنفسك من الخير" ومن أعظم الخير أن تحب أن يستقيم, وأن يهتدي, وأن يصلي الصلوات الخمس في جماعة, وأن يتفقه في الدين.
قام أعرابي في الحرم عند ابن عباس , وابن عباس يفتي الناس, فقام الأعرابي يسب ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه, فقال له ابن عباس: [[أتسبني وفيَّ ثلاث خصال؟ قال الناس: ما هي يا ابن العباس؟ قال: والذي نفسي بيده ما نزل القطر في أرض إلا حمدت الله وسررت وليس لي في الأرض ناقة ولا جمل ما نزل القطر في أرض من الأراضي, أي: ما سمع بالمطر في الشمال أو في الجنوب, أو في الشرق أو في الغرب إلا سر وليس له ناقة ولا جمل- والأمر الثاني: والله ما سمعت بقاضٍ يحكم بكتاب الله إلا دعوت له وليس لي عنده قضية, والثالثة: والله ما فهمت آية من كتاب الله إلا تمنيت على الله أن يفهم الناس مثل ما فهمني هذه الآية]] يقول: كيف وأنا في هذا المستوى, وهو تواضع منه, وهي من أشرف الخصال.
كانوا يقولون عن ابن سيرين: كان إذا أقبل على فراشه نفض فراشه ثم قرأ سورة الإخلاص ثلاثاً والمعوذات ثلاثاً ثم قال: "اللهم اغفر لمن شتمني، ولمن ظلمني، ولمن سبني؛ اللهم اغفر لمن فعل ذلك بي من المسلمين".
وعند عبد الرزاق في المصنف: أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال للصحابة: {من منكم يتصدق مثل أبي ضمضم؟} أبو ضمضم من الصحابة كان فقيراً لا يملك حتى حفنة من التمر دعا صلى الله عليه وسلم للصدقة فالتمس في البيت صدقة من دراهم أو دنانير أو شيء فما وجد شيئاً, فقام فصلَّى ركعتين في ظلام الليل, وقال: {يا رب اللهم إن أهل الأموال تصدقوا بأموالهم, وأهل الخيل جهزوا خيولهم, وأهل الجمال جهزوا جمالهم, اللهم إنه لا مال لي ولا جمال ولا خيول, اللهم إني أتصدق إليك بصدقة فاقبلها, اللهم كل من ظلمني أو سبني أو شتمني, أو اغتابني من المسلمين فاجعله في عافية وفي حل وفي سماح} فقبل الله صدقته, وأتى جبريل فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك, وأخبره في الصباح فقال لـ أبي ضمضم: {لقد تقبل الله صدقتك} قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27]