فوائد الحديث:
1- السلامة من الأمراض والأسقام؛ لأن أصل كل داء التخم.
2- قلة الغذاء توجب رقة القلب، وقوة الفهم.
3- قلة الغذاء توجب إنكسار النفس، وضعف الهوى والغضب.
4- كثرة الغذاء توجب قساوة القلب، وضعف الفهم، وقوة النفس والهوى والغضب.
5- قلة الطعام عون للعبد على التسرع إلى الخيرات.
6- قلة الأكل يندي العينان.
7- قلة الطعام ينور القلب.
8- إذا أردت أن يصح جسمك، ويقل نومك، فأقل من الأكل.
وأخيراً:
إن ما قُدم من أحاديث, وأقوال في التقليل من الطعام، وما ينتج عن امتلاء البطن من أمراض للجسد، والقلب، وما يحرمه الإنسان من الخيرات، فإن ذلك لا يمنع الإنسان من أن يشبع أحياناً، كما في حديث جَابِر-رَضِي اللَّه عَنْه-قَالَ
...فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَغْرِفُ حَتَّى شَبِعُوا، وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ، قَالَ : " كُلِي هَذَا، وَأَهْدِي فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ)(26).
فهذا الحديث دليل على أن القوم أكلوا حتى شبعوا، والشبع هنا جائز، لا يقول أحد بكراهته، إلا إذا أدى إلى تخمة تمرض الإنسان، أو تهلكه.
فإذا وصل الطعام إلى درجة فوق الشبع، فإنه يكون مكروهاً؛ لأنه في هذه الحال سيثقله عن أداء العبادة، وعن القيام بحقوق أهله وأولاده، وشؤون بيته وعمله؛ لأنه لا يستطيع الحركة إلا بصعوبة، بسبب الأكل الكثير، وربما كان هناك شيء من التعب جراء الأكل الزائد، وقد جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ-رَضِي اللَّه عَنْه-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " يَأْكُلُ الْمُسْلِمُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ". فالكفار يأكلون لا يشبعون ولا يذكرون الله-عز وجل-، ولو أن الإنسان دقق في أكل بعض الكفار لوجد فعلاً أنهم يأكلون أكلاً أكثر مما يأكل كثير من المسلمين، وتتعجب أين يذهب هذا الطعام، ليس في طعامهم بركة، قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ)(محمد: من الآية12).
أخي الكريم:
إن ديننا يذم الشره، والإكثار من الأكل, ويحثنا على الاكتفاء من الطعام بالقليل، فإن ذلك أفضل للمؤمن، وأليق به؛ لأن القناعة باليسير وبما حضر من أمور الدنيا، هي حال المؤمن، الموقن بأنه في سفر ما يلبث أن يستريح من عنائه، أما شدة الحرص على ملاذ الدنيا من طعام وغيره ، فهي حال الكافر، ولا يليق بالمؤمن أن يتشبه بالكافر، بل يحرم عليه ذلك"(27) .
قوله صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطن)، الوعاء هو: الظرف الذي توضع فيه الأشياء، والبطن هو: الذي يوضع فيه الطعام، وإذا أُكثر من الطعام أدى إلى تخمة وصار ضرراً وشراً على صاحبه؛ وذلك لما ينتج عنه من الكسل والخمول والفتور، وما يحصل عنه أيضاً من الأمراض والأمور المنغصة.
وبعد أن بين النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن البطن هو شر وعاء يملأ أرشد عليه الصلاة والسلام إلى الطريقة المثلى في الأكل وهي أخذ الكفاية، ثم بين هذه الكفاية فقال عليه الصلاة والسلام: (بحسب امرئ) أي: يكفيه (أكلات يقمن صلبه)، أكلات: جمع أكلة، أي: لقيمات يقمن صلبه، وصلبه هو ظهره، وذلك أنه إذا أكل الإنسان وحصل له التغذي بالطعام فإنه يكون عنده نشاط وتكون عنده قوة وفيه حياة، وإذا ذهب عنه الطعام أدى به ذلك إلى السقام وإلى المرض، وربما أدى به ذلك إلى الموت بسبب الجوع.
وقوله عليه الصلاة والسلام: (بحسب) الحسب هنا بمعنى الكافي، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:64]، أي: كافيك الله، وكافي من اتبعك من المؤمنين، وقد مر في حديث أبي هريرة: (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)، أي: لو لم يكن عنده من الشر إلا هذا لكان كافياً فكيف إذا كانت عنده شرور أخرى، فإن ذلك شر إلى شر وضرر إلى ضرر.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد الإنسان إذا لم يكتف بهذه الأكلات التي يحصل بها إقامة الصلب إلى هذه القسمة الثلاثية، وهي أن يكون ثلث بطنه لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه.
فالرسول صلى الله عليه وسلم ذكر ثلاثة أحوال للناس: فالحالة الأولى: حال من يملأ بطنه، وبذلك يتعرض لأسباب الأمراض وللأسقام وللكسل والخمول، والحالة الثانية: حال من يأتي بالطريقة التي فيها الكفاية، وهي الأكلات التي يقمن صلبه، وإذا كان ولا بد فهناك شيء بين الكفاية والامتلاء، وهو أن يملأ الثلثين ويبقى ثلث يكون فيه مجال للتنفس وهذه هي الحالة الثالثة.
فهذا هو هديه صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالمآكل والمشارب.