الأنقياء
سلامة الصدر وطهارة القلب من الأمور التي نكاد نفتقدها في واقعنا رغم أهميتها، حتى صار ورود هذه الصفة من الغرائب، أما من يقرأ في سير سلفنا الصالح فإنه يجد الدرجة السامية التي بلغوها في سلامة الصدر ونقاوته!! وهذا يرجع لمعرفتهم بما يدعو إليه القرآن والسنة في ذلك.
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (قيل: يا رسول الله! أي الناس أفضل؟ قال صلى الله عليه وسلم: كل مخموم القلب صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال صلى الله عليه وسلم: هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد) .
ومعنى مخموم: من خممت البيت إذا كنسته، ولذلك بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث أن النقي هو: الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد.
ما أحوجنا لمثل هذا النقي في مثل هذا الزمن الذي اتصف بكثرة الخلاف والنزاع والفرقة، فامتلأت النفوس وأوغرت الصدور، فلا تسمع إلا كلمات التنقص، والازدراء، وسوء الظن، والدخول في النيات والمقاصد! فما هي النتيجة؟!
إن خوطبوا كذبوا أو طولبوا غضبوا أو حوربوا هربوا أو صوحبوا غدروا
على أرائكهم سبحان خالقهم عاشوا وما شعروا ماتوا وما قبروا!
فالنتيجة أن أصبح المسلمون أحزاباً
{كُلُّ حِزْب بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} وكل حزب من الآخر ينتقصون، فلا نسمع سوى تقسيم الناس وتصنيفهم، ففرح المنافقون وهم لها باذرون وساقون وراعون،
وصدق الله عز وجل: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
وأستغفر الله أن أعم، ولكنها فتنة وبلاء طمت وعمت، فأقول: ما أحوجنا لمثل هذا النقي،
أن من صفاتهم أنهم حرصوا - على تنقية قلوبهم من الحقد والحسد.
فالأنقياء لا يعرفون الانتقام ولا التشفي، ويتجاوزون عن الهفوات والأخطاء.
الأنقياء: يتثبتون ولا يتسرعون.
الأنقياء: سليمة قلوبهم نقية صدورهم.
الأنقياء: يحبون العفو والصفح وإن كان الحق معهم.
الأنقياء: ألسنتهم نظيفة فلا يسبون ولا يشتمون.
الأنقياء صفاء في السريرة ونقاء في السيرة، دعاؤهم: اللهم قنا شح أنفسنا، اللهم قنا شح أنفسنا،
{وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} .
وستقرأ كثيراً من المواقف التي تبرهن على ما أقول، ولكن خاطب النفس وقل لها:
ويحك يا نفس احرصي على ارتياد المخلص
وطاوعي وأخلصي واستمعي النصح وعي
واعتبري بمن مضى من القرون وانقضى
واخشي مفاجأة القضا وحاذري أن تخدعي
ويحك يا نفس احرصي على استماع القصص
وطاوعي وأخلصي للواحد الصمد